الحمى أمر معتاد، لكنه معقد. وعندما تناقش تتداخل أفكار العلم من جهة، مع العواطف وتأثيراتها على الراحة والحسابات. وبصفتي طبيب أطفال كنت أعلم جيدا أن الحمى إشارة على عمل جهاز المناعة بصورة جيدة، وبصفتي أبا كنت أعلم أن إصابة طفل بالحمى أثناء الليل أمر أساسي ومخيف. لذا من المألوف بالنسبة لطبيب أطفال أن يتلقى مكالمات هاتفية في منتصف الليل من آباء يشعرون بالقلق. وتوضح ورقة بحثية حديثة نشرت في مجلة الجمعية الطبية الأميركية أحد أسباب تلك المفاهيم لدى الآباء، وتذكرنا مناقشة مطولة عنها بالسياق العاطفي لها.
وقد ركزت دراسة أجرتها الجمعية الطبية الأميركية على عقاقير الأطفال التي تصرف دون وصفة طبية، بما في ذلك تلك التي يروج لها باعتبارها تعالج الألم والحمى،
وكيف يتم توصيفها، وما إذا كانت القطّارة والأكواب والملاعق، التي توجد في علب الأدوية وتحمل مؤشرات تحديد الكمية، تحدد الجرعة التي ينصح بها بحسب توصيف العقاقير بشكل صحيح أم لا.وخلص المقال إلى أن الكثير من أسماء العقاقير لا تكون مكتوبة بشكل واضح على العلبة، والبعض الآخر لا يحتوي على مقياس لتحديد الجرعة، وإن وجد فلا توجد عليه مؤشرات بشكل منتظم. فعلى سبيل المثال قد تكون الجرعة التي ينصح بها 1.5 ملليلتر، في حين أنه لا يوجد علي القطّارة هذه العلامة.
وقال الدكتور شونا ين من مركز نيويورك الطبي الجامعي، والمؤلف الرئيسي للدراسة وزميلي، وهو أستاذ مساعد في طب الأطفال إن «الرسالة الأساسية لهذه الورقة البحثية في الأساس هي أن التعليمات الموجودة على علب أو زجاجات العقاقير التي تصرف دون وصفة طبية تثير الارتباك والحيرة حقا».
قد لا تكون لجرعة صغيرة من دواء خافض للحرارة أي فاعلية، بينما الجرعة الزائدة منه قد تكون سامة. لكن يتم تحديد الجرعة بحسب وزن الطفل الذي يتغير بمرور الوقت، وبحسب تركيز الدواء الذي يعتمد على ما إذا كان هو دواء «أسيتامينوفين» أم «إبروفين»، وما إذا كان شرابا للأطفال أو قطرات للرضع.
وتقول كاثلين مارتينيز، ممرضة ممارسة في طب الأطفال، ومنسقة مواعيد في برنامج الرعاية عن طريق الهاتف خارج ساعات العمل الرسمية في مستشفى الأطفال في مدينة أورورا بولاية كولورادو: «دائما ما نجعلهم يحضرون الزجاجة معهم. ونسألهم ما الذي لديكم في المنزل؟ هل هي قطرات الإبروفين للرضع أم للأطفال؟ أمسكوا بالزجاجة وتأكدوا من التركيز. ومن ثم نتأكد من أداة القياس، ثم نحدد الجرعة الصحيحة على أساس الوزن. إن هذا يستغرق الكثير من الوقت، وبطبيعة الحال تتغير الجرعة بتغير الوزن، لذا على الآباء المساكين الاتصال مجددا».
يتساءل أكثر الآباء خلال اتصالهم ليلا بالطبيب عن مدى القلق بشأن الحمى وكمية الدواء التي ينبغي أن يعطوها للطفل، بالنسبة إلي تذكرني هذه الأسئلة الخادعة عن الكمية، بأحاديث كانت أكثرها تتم من أماكن مزدحمة وبها ضوضاء، مثل مباراة يشترك بها الطفل أو السوبر ماركت، وكنت أحاول الإجابة عن سؤال بشأن طفل يعاني الحمى.
حمى الأطفال
* تحدثت في إحدى الليالي مؤخرا مع أم لطفل لم يتعلم المشي بعد، يعاني حمى ومغصا. وقد كنت أكثر قلقا بشأن الألم، وما إذا كان قد تناول كمية كافية من السوائل حتى لا يصاب بالجفاف، لكنها كانت أكثر قلقا بشأن الحمى، وبغض النظر عن السؤال الذي كنت أوجهه إليها كانت لا تفتأ تذكر الدرجة التي سجلها مقياس درجة الحرارة.
في النهاية، أصبحت قلقا من إصابة الطفل بالجفاف، لذا طلبت منها التوجه إلى غرفة الطوارئ وعند وصولها أخبرتني بأنها خائفة لإصابة الطفل بالحمى. يمكن أن تكون الحمى مثيرة للرعب، وتعد أي حمى يصاب بها رضيع يبلغ من العمر أقل من ثلاثة أشهر مبعثا كبيرا للقلق، نتيجة احتمال إصابته بعدوى بكتيرية خطيرة. لكن الحمى في حالة الأطفال الأكبر سنا لا تبدو مبعثا للقلق، بل دليل على فاعلية جهازه المناعي وإثارته، بل وتساعد على قيام الجسم بعمليات مناعية أكثر فاعلية.
قد لا يطمئن هذا الآباء الذين ترتفع درجة حرارة أبنائهم في منتصف الليل. فمن المرجح أن ترتفع الحمى خلال فترة ما بعد الظهيرة وفي المساء مثلما ترتفع درجة حرارة الجسم العادي. وقد نشر بارتون شميدت، أستاذ طب الأطفال في كلية الطب بجامعة كولورادو عام 1980 مقالا أصبح فيما بعد من الأدبيات الكلاسيكية عما يسمى «رهاب الحمى».
وكتب أن الكثير من الآباء يظنون أن عدم علاج الحمى ربما يجعلها تصل إلى مستوى حرج، في حين أن الحمى المعتدلة والمنخفضة قد تؤدي إلى نتائج عصبية خطيرة؛ فنحن كآباء نظن أن أدمغة أطفالنا قد تذوب.
وأعادت مجموعة في جامعة جونز هوبكينز مناقشة أعمال شميدت عام 2001، ونشرت ورقة بحثية في مجلة طب الأطفال بعنوان «تغيير رهاب الحمى: هل تغيرت مفاهيم الآباء الخاطئة عن الحمى على مدار 20 عاما؟». وتوصلت هذه المجموعة إلى عدم تبدد المخاوف وعدم تغير المفاهيم الخاطئة. لم تسبب الحمى يوما ضررا للمخ أو الجسد على الرغم من أنها تزيد من الحاجة إلى تناول السوائل. وحتى إذا لم يتم علاج الحمى، فهي نادرا ما تتعدى درجتها 104 أو 105 فهرنهايت.
تشنجات الحمى
* وتبلغ نسبة الأطفال المعرضين إلى خطر الإصابة بتشنج مصحوب بالحمى 5 في المائة، يمكن لهذه التشنجات أن تثير الرعب عند رؤيتها، لكنها غير مضرة بوجه عام ولا تؤدي إلى الصرع.
لكن ينبغي عرض الطفل الذي يصاب بالتشنجات الحرارية لأول مرة على طبيب. وكثيرا ما تنتشر هذه التشنجات في الأسرة، وإذا أصيب طفل بهذه التشنجات مرة فسيصاب بأخرى على الأرجح.
قال مايكل كروكيتي، الأستاذ المساعد في طب الأطفال بجامعة جونز هوبكينز والمؤلف الرئيسي للدراسة التي أجريت عام 2001: «يعرب لي الآباء عن قلقهم من احتمال أن تؤدي الحمى إلى تلف في دماغ أطفالهم أو حتى وفاتهم. إنني أعمل في هذا المجال منذ مدة طويلة ويبدو أنه على الرغم من كل التوعية بالحمى ودورها في المرض ونفعها في المرض، حتى الآن ما زال هذا الأمر مثارا للخوف في كل زيارة».
وتتفق جانيت سيروينت، واحدة من مؤلفي الدراسة وأستاذة طب الأطفال بجامعة جونز هوبكينز: «أعتقد أنه ينبغي أن يكون هناك المزيد من التوعية بهذا الأمر خلال الزيارات التي يقوم به الآباء للطبيب». وتضيف أن الآباء بحاجة إلى فهم «مدى نفع الحمى وكيف أنها تمثل استجابة صحية منظمة من أجسادنا».
وركزت دراسات أخرى على مواقف العاملين في المجال الطبي الذين ربما يكونون قلقين من الحمى مثل الآباء. ويقول شميدت: «إن الأطباء جزء من هذه المشكلة. فبعض رهاب الحمى ينتقل من الممرضات والأطباء الذين لا يعرفون الكثير عن الحمى وما تفعلها من أمور رائعة في عالم الحيوان».
No comments:
Post a Comment