داء السكري مرض قديم جدا، ولم يتوفر أول علاج له إلا في عام 1922، عندما أدى استعمال الإنسولين إلى تثوير عمليات السيطرة على مستويات السكر في الدم والتحكم بها. ويعطى الإنسولين بواسطة الحقن.
ثم حدثت قفزة كبرى عام 1956 عندما طرحت أولى الحبوب الدوائية التي تؤخذ عن طريق الفم، لعلاج السكري. ومنذ ذلك الحين تم تطوير العشرات من الأدوية الجديدة إلا أن العلماء لا يزالون يتعلمون الدروس للتوصل إلى أفضل وسائل استخداماتها. وتحث الدراسات الحديثة الأطباء على إعادة تقييم المهمة العلاجية الأساسية وهي: ما هي أفضل مستويات سكر الدم؟
من أجل فهم مرض السكري، علينا أولا فهم الكيفية التي يتعامل فيها الجسم مع الغلوكوز glucose، وهو السكر الذي يمد الجسم بالطاقة. فبعد تناول الطعام، يقوم الجهاز الهضمي بتفكيك الكربوهيدرات إلى سكريات بسيطة صغيرة جدا بحيث يمكن امتصاصها نحو مجرى الدم. والغلوكوز هو أهم كل تلك السكريات إطلاقا وهو مصدر لا يمكن الاستغناء عنه من الطاقة لخلايا الجسم البشري. ولكن، ولكي يوفر الغلوكوز للجسم الطاقة اللازمة فإن عليه الانتقال من مجرى الدم نحو خلايا الجسم.
والإنسولين هو الهرمون الذي يلعب دور فاتح أبواب الخلايا. فعندما ترتفع مستويات الغلوكوز في الدم بعد تناول وجبة طعام، تشرع خلايا «بيتا» beta cells الموجودة في البنكرياس في العمل بإفرازها الإنسولين في الدم. وإن أفرز الجسم ما يكفي من الإنسولين وقامت الخلايا بالاستجابة بشكل طبيعي فإن مستوى سكر الدم سينخفض مع دخول الغلوكوز نحو تلك الخلايا، حيث تجري هناك عمليات حرقه للحصول على الطاقة، أو خزنه في الكبد على شكل مادة تسمى «غليكوجين» glycogen لاستعماله في المستقبل.
ويساعد الإنسولين أيضا الجسم على تحويل الأحماض الأمينية إلى بروتينات وتحويل الأحماض الدهنية إلى دهون في الجسم. والحصيلة هنا أن الجسم يحول الغذاء إلى طاقة كما يختزن الطاقة الفائضة للحفاظ على عمليات تشغيل الجسم، إن حدث وإن قل الوقود اللازم لحركته في المستقبل.
* أنواع السكري
* إن السكري ليس اسما لمرض منفرد بل هو اسم لمجموعة من الاضطرابات. وكل أشكال هذا المرض تظهر عندما يصبح البنكرياس غير قادر على إفراز الإنسولين بشكل كاف لسد احتياجات الجسم. وفي بعض الحالات تكون المشكلة في قلة إفراز الجسم للإنسولين، أما في الحالات الأخرى فتظهر مقاومة الجسم للإنسولين الموجود فيه، وفي الحالات الثالثة يكون هناك تجهيز قليل من الإنسولين إضافة إلى مقاومة الجسم للإنسولين.
* النوع الأول من الإنسولين، يبدأ عادة بشكل مفاجئ قبل سن الـ20، غالبا بظهور ارتفاع حرج في مستوى سكر الدم. وغالبا ما تتسبب في هذا المرض جملة من عوامل التشوهات الوراثية والمحفزات البيئية التي تدفع جهاز المناعة إلى مهاجمة البنكرياس مدمرة قدرته على إفراز الإنسولين. وما دام الإنسولين مهما لدخول الغلوكوز إلى الخلايا فإن سكر الدم سيرتفع بحدة.
ويعتبر السكري من النوع الأول أشد أنواع السكري حدة إلا أن نسبته لا تتعدى نحو 5 في المائة من كل حالات الإصابة بالسكري في الولايات المتحدة. وهنا يصبح العلاج بالإنسولين واجبا طيلة العمر.
* النوع الثاني من السكري كان يسمى في يوم ما «سكري البالغين» لأنه يبدأ في العادة تدريجيا بعد البلوغ. إلا أنه ومع زيادة السمنة الخطيرة لدى الأطفال فقد أصبح هذا النوع أكثر انتشارا بين المصابين بها من الأطفال والمراهقين الصغار.
وفي أغلب الأحيان فإن المشكلة الرئيسية لهذا النوع من المرض هي مقاومة الإنسولين، إذ رغم أن الجسم يفرز كميات معقولة من هذا الهرمون فإن أنسجة الجسم لا تستجيب له بشكل مناسب، ولذا تضحى مستويات سكر الدم عالية بشكل غير طبيعي. ويمكن للأدوية المتناولة عبر الفم أن تساعد المرضى بهذا النوع في التعويض عن مقاومة الإنسولين ولكن، ومع مرور الزمن، فإن قدرة البنكرياس على إفراز الإنسولين تتدهور، الأمر الذي يؤدي إلى الحاجة إلى العلاج بالإنسولين.
* الارتفاع الطفيف في سكر الدم الذي لا يؤدي إلى ظهور أية أعراض. ولا يعلم بوجود هذا الارتفاع لديهم نحو ربع كل المصابين بالسكري. وعندما ترتفع مستويات سكر الدم فإنها قد تؤدي إلى الشعور بالإجهاد، غشاوة الرؤية، زيادة التبول، الشعور بالعطش الشديد. كما أن ازدياد الشعور بالجوع هو واحد من الأعراض الأخرى، مع أن تناقص الوزن يبدأ رغم وجود الشهية القوية. ويحدث هذا لأنه وبينما يكون مستوى السكر عاليا في الدم فإن الخلايا لا تمتلك ما يكفي احتياجاتها منه. إن السكري يماثل المجاعة عند وجود الفائض!
* مخاطر سكر الدم
* يمكن أن تؤدي مستويات سكر الدم العالية بشكل استثنائي، إلى الجفاف، وعمليات غير طبيعية في التمثيل الغذائي (الأيض)، الغيبوبة، والوفاة، وإلى حالات تسمى «الحماض الكيتوني» diabetic ketoacidosis و«غيبوبة السكري غير المصاحبة بالأجسام الكيتونية» hyperosmolar non - ketotic coma. وقد أدى العلاج بالإنسولين إلى تقليل حدوث هذه الحالات إلا أن المصابين بالسكري لا يزالون مهددين بخطر مضاعفات المرض. وبصيغة عمومية فإنه يمكن تقسيم المشكلات إلى مجموعتين:
* المضاعفات على مستوى الشعيرات الدموية التي تشمل الأوعية الدموية الصغيرة في الكليتين والعينين وفي الأعصاب. وهذه المضاعفات غير الطبيعية هي التي تفسر لنا تأثير السكري بوصفه السبب الرئيسي في الفشل الكلوي، العمى، وتضرر الأعصاب.
* المضاعفات على مستوى الأوعية الدموية التي تشمل الأوعية الدموية الكبيرة في القلب والدماغ والساقين. وتفسر لنا هذه المضاعفات غير الطبيعية دور السكري كعامل رئيسي في التسبب بالنوبة القلبية، السكتة الدماغية، وبتر الأرجل.
إن الكثير من المصابين بالسكري يعانون من المضاعفات على مستوى الشعيرات الدموية والأوعية الدموية الكبيرة. ويمثل اختلال وظيفة انتصاب العضو الذكري أحد المخاوف لدى الرجال المصابين بالسكري، وهي الحالة التي تنشأ عن الأضرار التي تلحق بالأعصاب وبالأوعية الدموية في آن واحد.
والأضرار التي تلحقها الإصابة السكري بأعضاء الجسم هي إحدى علاماته المميزة، إضافة إلى إحداثه للآلام والإعاقة.
* اختباران للسكري
* توصي جمعية السكري الأميركية بإجراء فحص خاص بمرض السكري كل ثلاث سنوات للأشخاص من 45 سنة فأكثر. ويجب على الأشخاص الذين لديهم عوامل خطر مثل: ازدياد الوزن، إصابة أبيهم أو أخيهم بالسكري، ارتفاع ضغط الدم أو ارتفاع مستويات الكولسترول، الفحص مبكرا عن السكري ثم إعادة الفحص كل سنة.
ورغم وجود عدد من الاختبارات لتشخيص السكري فإن الاختبارين التاليين هما الأكثر فائدة:
* فحص سكر الدم عند الصوم fasting blood sugar (FBS)، وهو الاختبار الأبسط والأكثر استخداما، ولا يتطلب إلا استخلاص عينة واحدة من الدم بعد مرور 8 ساعات من تناول أية سعرة حرارية.
* اختبار الهيموغلوبين الغليكوزيلاتي glycosylated hemoglobin (HbA1C) الذي يقيس النسبة المئوية لجزيئات الهيموغلوبين الحاملة للأكسجين في خلايا الدم الحمراء التي يكون الغلوكوز ملتصقا بها. وتبلغ القيمة الطبيعية 5.7 في المائة أي ما يعني أن الغلوكوز يلتصق بنحو 5 في المائة من جزيئات الهيموغلوبين. وعندما ترتفع هذه النسبة فإن الهيموغلوبين الغليكوزيلاتي سيؤدي إلى اختلال الوظائف.
وبخلاف الاختبار الأول لسكر الدم عند الصوم فإن الاختبار الثاني لا يتطلب الصوم أو إجراء أي تغيير في العادات الغذائية. والميزة الأخرى لهذا الاختبار الجديد هي أنه يعكس المستوى المتوسط لسكر الدم لدى الإنسان خلال فترة شهرين إلى ثلاثة من الاختبارات، فيما يقدم اختبار سكر الدم عند الصوم، صورة لحظية لمستواه.
وقد منحت وكالة الغذاء والدواء الأميركية ابتداء من عام 2010 هذين الاختبارين صفة متماثلة ووضعتهما بنفس المرتبة عند تشخيص السكري.
* التحكم الصارم بسكر الدم
* هناك أسباب مهمة تدعو العلماء إلى الافتراض بأن خفض سكر الدم إلى مستوياته الطبيعية سيؤدي إلى خفض مخاطر المضاعفات وإطالة حياة المرضى المصابين بالسكري.
وقد دعمت ملاحظات العلماء الكثيرة توجهات ما يسمى بالتحكم الصارم بسكر الدم أو «العلاج المكثف» intensive therapy. وهي:
أولا - يعتقد العلماء أن مستويات سكر الدم المرتفعة تلحق الضرر في الواقع ومع الزمن، بالأوعية الدموية بصورة مباشرة وغير مباشرة. فعندما تكون تلك المستويات عالية يلتصق الغلوكوز مع البروتينات، ومكونات الخلايا، ودهونات الدم والصفائح الدموية. وكما هو الحال مع الهيموغلوبين فإن كل هذه المواد تصبح «غليكوزيلاتية»، الأمر الذي يؤدي إلى اضطراب وظيفتها. فالبروتينات تلتصق معا فيما يزداد سمك الأغشية حول الشرايين، ولذا فإن كمية أقل من الأكسجين تصل إلى الأنسجة ما يؤدي إلى تراكم النفايات. والنتيجة هي حدوث ضرر في العضو المعني يزداد مع الزمن ببطء على الدوام ما دام مستوى سكر الدم مرتفعا.
ثانيا - تفترض الدراسات التي أجريت منذ السبعينات من القرن الماضي وحتى الآن أنه حتى وإن كان مستوى سكر الدم وكذلك نتائج اختبار الهيموغلوبين الغليكوزيلاتي (HbA1C)، تقع كلها في النطاق «الاعتيادي»، فإن الإصابة بسكر الدم المرتفع تتنبأ بحدوث مخاطر أكبر للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
ثالثا - وجدت دراسة شملت 4662 رجلا أن مستويات سكر الدم كانت ترتبط مباشرة مع معدلات الوفاة، على حد سواء لدى الرجال المصابين بالسكري أو غير المصابين به. وإجمالا فإن زيادة بنسبة 1 في المائة في قراءات اختبار الهيموغلوبين الغليكوزيلاتي (HbA1C) ارتبطت بزيادة مقلقة وصلت إلى 28 في المائة في معدل الوفيات.
وقد دفعت النظريات البيولوجية ودراسات الملاحظة الباحثين إلى وضع افتراض معقول يفيد بأن خفض سكر الدم يقود إلى تحسن الصحة للمصابين بالسكري. وكانت الخطوة التالية هي اختبار هذا الاعتقاد في تجارب سريرية، للتوصل إلى نتائج محددة أكثر من النتائج التي تحققها دراسات الملاحظة. وقد قدمت دراستان أجريتا في التسعينات من القرن الماضي دعما فعليا لتوجهات التحكم الصارم بسكر الدم، وهما:
* «تجربة التحكم بالسكري ومضاعفاته» The Diabetes Control and Complications Trial التي درست 1441 من المصابين بالسكري من النوع الأول. وبالمقارنة مع التحكم القياسي standard control بمستوى سكر الدم، فإن التحكم الصارم به ساعد على إبطاء تقدم المضاعفات المتعلقة بالأضرار التي تلحق بالشعيرات الدموية في الكليتين، العينين، وكذلك بالأضرار التي تلحق بالأعصاب. كما ربط تقرير لاحق غطى 17 سنة من المتابعة، بين التحكم الصارم وبين الانخفاض الملموس في المضاعفات الخاصة بالأوعية الدموية ومن ضمنها النوبة القلبية، السكتة الدماغية، والوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية.
* «دراسة السكري المستقبلية في المملكة المتحدة» The United Kingdom Prospective Diabetes Study التي قارنت بين التحكم المكثف بسكر الدم مع التحكم القياسي به، لدى 3867 مصابا بالسكري من النوع الثاني. وقد أدى العلاج المكثف إلى خفض ملموس في مخاطر المضاعفات على الشعيرات الدموية، الأمر الذي دعم الحجج القائلة بأن مستويات سكر الدم المنخفضة هي الأفضل. ولكن وفي نفس الوقت أخفق التحكم المكثف في تحقيق أية حماية ملموسة ضد المضاعفات على الأوعية الدموية، وهي السبب الرئيسي لوفاة مرضى السكري.
وبالاستناد إلى كل هذه النتائج فقد تمت التوصية بتنفيذ استراتيجية التحكم الصارم بسكر الدم للمصابين بكلا النوعين من مرض السكري. إلا أن هذا لم ينه الجدال، بل أخذ العلماء بإجراء دراسات أخرى.
* نتائج جديدة
* قارنت ثلاث تجارب عشوائية نشرت في مجلة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن» عامي 2008 و2009 بين التحكم الصارم بسكر الدم مع التحكم القياسي به لدى مرضى مصابين بالنوعين الأول والثاني من السكري، بينما أضافت دراستان نشرتا في مجلة «لانسيت» عام 2010 نتائج أخرى. وإليكم ما وجدته تلك التجارب والدراسات:
* دراسة «توجهات التحكم بالمخاطر على القلب والأوعية الدموية عند الإصابة بالسكري» The Action to Control Cardiovascular Risk in Diabetes (ACCORD)، قارنت بين التحكم المكثف بسكر الدم مع العلاج القياسي لدى 10251 من المصابين بالنوع الثاني من السكري، وبين أمراض القلب والأوعية الدموية أو عوامل الخطر الرئيسية لحدوث تلك الأمراض. وقد أوقفت الدراسة قبل انتهائها وذلك بعد مرور 3.5 سنة على انطلاقها، بسبب تزايد عدد الوفيات بين المصابين الذين تلقوا علاجا مكثفا.
* تجربة «التوجهات لدى الإصابة بالسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية» The Action in Diabetes and Vascular Disease، شملت 11140 مريضا بالسكري وبمرض وعائي، أو لديهم عامل خطر واحد على الأقل لمثل هذا المرض، مثل إصابتهم بضغط الدم المرتفع. وبعد مرور خمس سنوات، ظهر أن التحكم الصارم بسكر الدم أدى إلى توفير الحماية ضد مضاعفات السكري على الشعيرات الدموية (وبالدرجة الأولى ضد المضاعفات على الكليتين)، ولكن ليس ضد مضاعفات السكري على الأوعية الدموية ونتائجها مثل النوبة القلبية والسكتة الدماغية. أما معدل الوفيات فكان مماثلا للأشخاص الذين يخضعون العلاج المكثف أو القياسي.
* «تجربة شؤون المحاربين القدماء حول السكري» The Veterans Affairs Diabetes Trial اختارت عشوائيا 1791 من المحاربين القدماء المصابين بالنوع الثاني من السكري بإخضاعهم إما إلى تحكم صارم أو قياسي لسكر الدم. وبعد 5.6 سنة ظهر لدى أفراد كلتا المجموعتين معدلات متشابهة من المضاعفات على الشعيرات الدموية أو الأوعية الدموية أو على معدل الوفيات.
* «قاعدة بيانات أبحاث عيادات الأطباء في المملكة المتحدة» The United Kingdom›s General Practice Research Database جمعت معلومات شاملة عن نحو 47970 مريضا بالنوع الثاني من السكري. ووظف العلماء البيانات المستخلصة لتقييم العلاقة بين التحكم بسكر الدم ونجاة المصاب بالسكري (من الموت). وبالمقارنة مع المرضى الذين خضعوا لتحكم معتدل لسكر الدم (أي ما يقابل مستويات تصل إلى نحو 7.5 في المائة لمؤشر الهيموغلوبين الغليكوزيلاتي (HbA1C، فإن المصابين الذين خضعوا لتحكم أفضل (متوسط HbA1C بلغ نحو 6.4 في المائة)، والذين كان التحكم لديهم أسوأ (متوسط HbA1C بلغ نحو 10.5 في المائة)، عانوا من مضاعفات أكثر في القلب والأوعية الدموية ومعدلات أعلى في الوفيات.
* عام 2010 أفادت دراسة متابعة لاحقة لدراسة ACCORD (المذكورة أعلاه) بأن العلاج المكثف لا يقدم إلا القليل من الحماية ضد مضاعفات السكري من النوع الثاني على الشعيرات الدموية - أما تلك الفوائد القليلة له فقد تراجعت أمام مخاطر التحكم الصارم على القلب والأوعية الدموية.
* بين الخيبة والأمل
* قد يصاب مرضى السكري وأطباؤهم بالدهشة والخيبة لأن التحكم الصارم بسكر الدم قد اخفق في تحقيق الآمال المعقودة عليه. إلا أن عليهم ألا يعتقدوا أن التحكم بسكر الدم مسألة غير مهمة. وفي الحقيقة فإن التدقيق في البيانات المستخلصة قد يقود إلى وضع أهداف جديدة أفضل للتحكم بمرض السكري.
وإليكم بعض التصورات:
* الدلائل المتوفرة حاليا لا تزال تدعم أهمية التحكم الصارم بمستويات سكر الدم للمصابين بالسكري من النوع الأول. ولهؤلاء المرضى فإن خفض سكر الدم نحو مستوياته القريبة من الاعتيادية يقلل من خطر المضاعفات على كل من الشعيرات الدموية وعلى الأوعية الدموية.
* من مشكلات التحكم الصارم بسكر الدم أنه يرتبط بزيادة في خطر حدوث انخفاض غير طبيعي في سكر الدم hypoglycemia وهي حالة خطرة. وكذلك، يصعب التوصل إلى التحكم الصارم لأنه يحتاج في الغالب إلى تناول الكثير من الأدوية ذات الآثار الجانبية السيئة، ومنها زيادة الوزن. إلا أن تخفيف الأهداف الخاصة بسكر الدم نحو أهداف معتدلة، يحسن حياة المصابين بالسكري من النوع الثاني.
* لا يستجيب كل المصابين بالسكري من النوع الثاني إلى عملية التحكم الصارم بسكر الدم بنفس القدر. وعندما حلل الباحثون مجموعات ثانوية من المرضى وجدوا أن المصابين حديثا بالسكري يستفيدون من التحكم الصارم في تخفيف أخطار القلب والأوعية الدموية، بينما لا يستفيد منه المصابين بالمرض سابقا. وربما يعود ذلك إلى أن التحكم الصارم يحمي الأوعية الدموية التي لا تزال سليمة لكنه لا يحمي تلك التي أصيبت بالضرر فعلا.
* إن السكري هو مرض مزمن، وخطير. ولذا يجب اهتمام المصابين به، طيلة العمر، بنمط حياتهم، وبأدويتهم، ومراقبة المرض لأن ذلك هو مفتاح معالجته الجيدة. وهذا ما يمثل تحديا للمرضى وعائلاتهم وأطبائهم - إلا أن التأكيدات الجديدة تنصب على المرونة في التعامل وعلى الاعتدال، بهدف تخفيف أعباء المرض.
* مبادئ واضحة.. للتعامل مع مرض السكري
* لقد طور الباحثون، وعدلوا، من افتراضاتهم التي ظلوا محافظين عليها لزمن طويل بشأن معالجة مرض السكري، ويبدو أن الدراسات الحديثة ستقوم بوضع أهداف أدق. ومع كل هذا فإن هناك بعض المبادئ التي تبدو جلية وواضحة وهي:
1 - الحمية الغذائية، والتمارين الرياضية، وإنقاص الوزن: هي أحجار الأساس في عملية السيطرة على المرض لكل المصابين بالسكري. وفي الواقع فإن نمط الحياة الصحي يمكنه أن يدرأ أكثرية، إن لم يكن كل، حالات الإصابة بالسكري من النوع الثاني، وبمقدوره أيضا خفض مستويات سكر الدم وتحسين حالات كل المصابين.
2 - إن التحكم الجيد بسكر الدم أمر مهم لكل المصابين بالسكري. ويؤدي التحكم الصارم به إلى تقليل مخاطر حدوث مضاعفات على الأوعية الشعرية (المؤدية إلى أمراض الكلية، وتضرر الأعصاب، وأمراض العين) للمصابين بالنوع الأول من السكري. كما يساعد في حمايتهم أيضا من مخاطر حدوث مضاعفات على القلب والأوعية الدموية (التي تؤدي إلى النوبة القلبية، والسكتة الدماغية، والوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية). كما قد يكون لهذا التحكم الصارم فوائد مماثلة للمصابين حديثا بالنوع الثاني من السكري الذين لا تزال أوعيتهم الدموية سليمة، إلا أنه لا يساعد على الأكثر المصابين السابقين بهذا النوع من السكري وبأمراض القلب والأوعية الدموية.
وعلى المرضى الذين بمقدورهم تحقيق مستويات لسكر الدم قريبة من الاعتيادية بعد تغيير نمط حياتهم وتناول أدوية بسيطة، القيام بذلك. وتدعو إرشادات جمعية السكري الأميركية إلى تحقيق مستويات من HbA1C تقل عن 7 في المائة، وهو ما يقابل مستوى لسكر الدم يبلغ في المتوسط 154 ملليغراما لكل ديسيلتر (ملغم/دل). كما توصي الجمعية أيضا بالتوجه لتحقيق مستوى سكر الدم عند الصوم أقل من 131 ملغم/دل ويزداد إلى أعلاه بعد تناول وجبة الطعام لمستوى يقل عن 180 ملغم/دل.
3 - المرضى الذين يتناولون الإنسولين والآخرون الذين يتوجهون لتحقيق التحكم الصارم بسكر الدم، عليهم مراقبة مستويات سكر الدم لديهم. كما أن عليهم التدرب على التعرف على أعراض نقص سكر الدم، ومن ضمنها القلق، وتسارع دقات القلب، والتعرق، والارتعاش، والتشوش الذهني، وعليهم معرفة وسائل رفع سكر الدم وكيفية الاتصال بالطوارئ للإسعاف.
ورغم أن إرشادات جمعية السكري الأميركية تظل مهمة، فإن الكثير من الخبراء يعتقدون أنها يجب ألا تنطبق على كل الأحجام والأشكال. أي بمعنى آخر فإن أهداف تحقيق مستويات سكر الدم يمكن أن تضبط وفقا لاحتياجات كل مريض. وعموما فإن هدف 7 في المائة إلى 7.5 في المائة من HbA1C الذي يقابل مستوى في المتوسط يساوي 150 إلى 170 ملغم/دل، يبدو معقولا للمصابين بالسكري من النوع الثاني. ويجب تكثيف العلاج الطبي عندما تزيد مستويات HbA1C على 8 في المائة أي ما يقابل 180 ملغم/دل.
4 - لأن السكري هو سبب رئيسي في حدوث أمراض القلب والأوعية الدموية وفي الوفاة المبكرة فإن على المرضى التحكم بعناية بعوامل الخطر الخاصة بتلك الأمراض. وتضع الإرشادات الحالية أهدافا أدنى من الأهداف التي يجب على الأصحاء تحقيقها. وتشمل تلك الأهداف: قراءات ضغط الدم 130/80 ملم زئبق، ومستويات الكولسترول منخفض الكثافة LDL أقل من 100 ملغم/دل. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن نتائج دراسة ACCORD أشارت إلى أن تحقيق أهداف أدنى لضغط الدم من تلك المذكورة، لم يقدم أي فوائد إضافية للمصابين بالسكري من النوع الثاني.
5 - بما أن بمقدور أدوية خاصة إبطاء تقدم أمراض الكلى المرتبطة بالسكري، فإن على المرضى إجراء فحوص منتظمة للبول للكشف عن البول الزلالي الميكروي microalbuminuria، كما يساعد في ذلك إجراء اختبارات الدم حول وظائف الكلى. وكذلك يقود إجراء فحوص دورية لأمراض العين (اعتلال الشبكية الناجم عن السكري) إلى علاجات وقائية أفضل. وأخيرا يجب العناية بالقدمين.
No comments:
Post a Comment